اقتصادية

قراءة حول أثر قرض صندوق النقد على سياسة الإصلاح الاقتصادي المصري (هل سيكون القرض احد اللبنات الأساسية التي ستتمسك بها الدولة للنهوض وتحقيق النمو الاقتصادي ؟ )

اعداد : تقى خالد

المقدمة :

 في الكثير من الأحيان تلجا العديد من الدول النامية الى الاستدانة من المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي وغيرها ..,  لاعتبارهم  من احد أهم الحلول التي تستعين بها الدول  في تطبيق برنامجها الإصلاحي الاقتصادي الخاص بها و الخروج من الازمات الاقتصادية التي تواجه الدول النامية ، قد تنجح هذه الطريقة وتؤتى ثمارها من حيث مساعدة الدول في الخروج من ازماتها الاقتصادية وتحسين أوضاعها والعبور الى مصاف الدول المتقدمة ، وعلى النقيض قد يحدث العكس ويتحول  الاستدانة من صندوق النقد احد الأعباء و المشاكل التي تواجه الدول النامية وذلك نظرا لما تحتويه الاستدانة من شروط وتكاليف يفرضها صندوق النقد كضمان لسداد ديونها ويجب على الدول الالتزام بهذه الشروط .

  • وهنا دعونا نناقش  التجربة المصرية مع  قروض صندوق النقد ( هل اثر قرض صندوق النقد الدولي على سياسة الإصلاح الاقتصادي المصري وما أهم التأثيرات السلبية و الإيجابية  التي حملها القرض …؟)  :

 تعاقد مصر مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرضين ، الأولى عام 1991 والثانية عام 2016 ، وها نحن الان بصدد التعاقد الثالث مع صندوق النقد الدولي .

حصول مصر على قرض من الصندوق عام 2016  :

 كان من أهم الاسباب التي دفعت مصر للجوء الى قروض صندوق النقد في عام 2016 يعود الى الأثار المترتبة على الخلل الاقتصادي الذى حدث بعد ثورة 25 يناير وما نتج عنه  من  عجز الموازنة و تراجع الاستثمارات الأجنبية و ازمة الدولار بالإضافة الى أزمة انخفاض الموارد المحلية كل هذا جعل من اللجوء الى صندوق النقد الدولي احد اهم الحلول المطروحة لمتخذي القرار ، لذلك تقدمت مصر الى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض ، نتج عن هذا القرض بعض التداعيات الإيجابية و السلبية التي اثرت على الاقتصاد المصري  .

 ان رغبة مصر في الحصول على شهادة دولية من صندوق يعتبر من اهم أسباب لجوء مصر الى الاقتراض من صندوق النقد  فالشهادة الدولية تؤكد للمجتمع الدولي ان هناك رؤية جيدة لخطة الإصلاح الاقتصادي التي تنتهجها الدولة تستطيع من خلالها جذب الاستثمارات المتنوعة سواء كانت في الاسواق المالية او الشركات بما يدعم عجلة الاقتصاد بشكل إيجابي ويجذب المستثمرين الأجانب الى مصر خاصة بعد ارتفاع التصنيف الائتماني المصري كما سيسهم في تحقيق معدلات نمو تستطيع من خلاله الدولة تحقيق تنمية اقتصادية .

السياسات و الإجراءات التي  طبقتها مصر لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي للحصول على القرض :

كان من اهم الإجراءات التي تبعتها مصر لتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي و تنفيذ شروط الصندوق

تعويم الجنية: ان قرار الدولة بتعويم الجنية في هذا الوقت جاء نتيجة للمأزق الذى كان يمر به الاقتصاد المصري بذلك الوقت  ،  والذى أدى الى خفض معدلات النمو وضعف القدرة التنافسية للاقتصاد المصري مع اقتصاديات العالم الخارجي ، لذلك كان اعتماد سعر صرف مرن يكفل الغاء التقييم المفرط للجنيه المصري ، لذلك جاء قرار التعويم لزيادة الاحتياطي الأجنبي و دعم الصادرات و الزيادة حركة السياحة وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية مما سيؤثر على معدلات النمو و الوضع الاقتصادي .

  • مما لا شك فيه ان لقرض صندوق النقد والبرامج التي يشترطها الصندوق بعض النتائج الإيجابية التي ظهرت من بعد تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي كارتفاع معدل نمو الناتج المحلى الإجمالي و انخفاض معدل البطالة وانخفاض عجز الميزان التجاري و ميزان المدفوعات  ولكن لايزال هناك بعض الاثار السلبية كارتفاع معدلات التضخم و انخفاض قيمة الجنية المصري مقابل العملات الأخرى ، كما تحمل المواطن الأعباء الناتجة عن انخفاض الدعم على الغذاء و المحروقات .

اما الان فمصر بصدد نهاية اتفاق قرض جديد مع صندوق النقد … فدعونا نتطرق الى تداعيات القرض على الوضع الاقتصادي والاجتماعي المصري :

تلجأ مصر حاليا لأخذ قرض من صندوق النقد وذلك لما تواجهه الدولة من تحديات فيما يخص انخفاض مخزون الاحتياطي النقدي ، فقد تحتاج الدولة من 15 – 20  مليار دولار خلال العام الجاري 2022/2023 لتعويض خروج استثمارات اجنبية من البلاد بقيمة 20 مليار دولار ، بالإضافة الى سداد التزامات بقيمة 15 مليار دولار .

تكمن أهمية القرض لمصر في الوقت الحالي في سد الفجوة التمويلية في ميزان المدفوعات والتي تقترب من 40 مليار دولار مقسمة بين 20 مليار دولار لسداد مديونيات مصر الخارجية، و20 مليار آخرين عجز في المعاملات الجارية ، بالإضافة الى ان  أن ثقة المستثمرين الأجانب في مصر سترتفع بعد الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ لأن موافقة الصندوق تعني اتفاقها مع مصر على برنامج محدد للإصلاح الاقتصادي، يعالج هيكل الاقتصاد الوطني، مما يمنح الثقة للمستثمر في قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها الدولية، فبحصول مصر على قرض الصندوق قد يسهم في تعديل نظرة المؤسسة إلى الإيجابية مرة ثانية مما يساعد في ارتفاع التصنيف الائتماني المصري مما سيساهم تشجيع المستثمرين على الاستثمار في مصر و بالإضافة الى انه سيساهم في انخفاض تكلفة سعر الاقتراض من المؤسسات الدولية  الأخرى في حالة احتياج مصر الى قرض اخر . 

  • أهم المؤشرات ت الاقتصادية  :
 الربع الثاني من 202220212020201920182017
الدين الخارجي / الناتج المحلى الإجمالي33.234.233.9363733.6
الديون قصيرة الاجل من أجمالي الدين الخارجي8.89.98.810.213.315.5
الديون طويلة  الاجل من أجمالي الدين الخارجي91.290.191.289.886.784.5
*المصدر : البنك المركزي المصري  

 هل سيؤثر الشروط التي يضعها صندوق النقد لتحقيق برنامج الإصلاح الاقتصادي على الوضع الاقتصادي و الاجتماعي المصري :  

أولا : الشروط و السياسات  المتعلقة بالموازنة العامة للدولة :

  • غالبا ما  يتجه صندوق النقد في برنامجه الإصلاحي  الى سياسة التقشف المالي  بغرض علاج العجز في الموازنة العامة للدولة ومن ثم يترتب عليه انخفاض معدلات التضخم ،  ولكن  وغالبا ما يكون انخفاض النفقات ذات طابع اجتماعي مثل : نفقات الدعم على الغذاء و الطاقة و السلع  التموينية ، كما يتضمن البرنامج رفع أسعار خدمات المرافق العامة كالمياه والكهرباء وذلك من اجل زيادة الإيرادات العامة ، ولكن  في هذه السياسة ينصب العبء  بأكمله في المقام الأول على المواطن فيكون المتضرر الأكبر من هذه السياسة خاصة في الدول النامية وذلك لان في هذه الدول المواطن يعتمد بشكل كبير فيها على الدعم الذي تقدمه الحكومة له وذلك لأن سياسة الغاء الدعم تقلل من الانفاق بشقيه الاستثماري و الاستهلاكي ، فالشق الاستثماري يؤدى الى مزيد من البطالة ، اما  الشق الاستهلاكي يقلل من حصة الفئات ذات الدخل المحدود من الحاجات الأساسية .
  • وذلك من المهم التنويه عن ان الغاء الدعم و تحرير الأسعار من جانب الدولة وتركه لقوى العرض و الطلب خاصة في الغذاء و الطاقة ،  بشكل كبير سيؤدى الى مزيد من المعاناة للفئات الفقيرة و ذات الدخل المتوسط ( الطبقة ذات الدخل الثابت ) ، كما ستضمن سياسة الإصلاح الاقتصادي الغاء القيود على أسعار الحاصلات الزراعية و القيود على كميات الإنتاج و التسويق الزراعي ، وتحرير الاستيراد من القيود بالإضافة الى تقليص دور القطاع العام وتخليصه من القيود السعرية و بيع بعض اجزائه الى القطاع الخاص.
  • ولكن لا يغفل علينا القول ان هذه السياسة على المدى من المتوسط الى البعيد ستساهم في  جذب الاستثمار الأجنبي عن طريق خلق بيئة جاذبة للاستثمار من خلال الإعفاءات و  التيسيرات الضريبية و الجمركية وتطوير السياسات الضريبية

ثانيا: السياسات و الشروط المتعلقة بميزان المدفوعات :

  • من السياسات التي يتبعها الصندوق هو تخفيض قيمة العملة المحلية بالنسبة للعملات الأجنبية بهدف تحرير السعر و خلق سعر صرف واقعى يساعد في تشجيع الصادرات و تخفيض الواردات مما يساعد في زيادة قدرة الدولة في الحصول على النقد الأجنبي ، مما ينتج عنه في المدى الطويل تقليص العجز في الميزان التجاري و ميزان المدفوعات ، ولكنه على المدى القصير قد يؤدى الى استمرار ارتفاع معدلات التضخم نتيجة لانخفاض القدرة الشرائية .

 ثالثا :الشروط المتعلقة بالسياسة النقدية  :

  • يتضمن برنامج  ” التثبيت الاقتصادي ” الإصلاح الاقتصادي  ، تهدف الشروط المتعلقة بالسياسة النقدية الى امتصاص السيولة النقدية وضبط المعروض من النقود للحد من معدلات التضخم المرتفعة ،كما يدعو صندوق النقد مصر الى تثبيت سعر الفائدة على الإقراض ، ولكن في الوقت الحالي سيكون لهذا الشرط الكثير من التداعيات السلبية من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية
  • من الناحية الاقتصادية :

ان ثبات الفائدة على الإقراض في الوقت الحالي له الكثير من التداعيات في المقام الأول على المستثمر المحلى فشريحة كبيرة من المستثمرين المحليين يعتمدون على التمويل من micro finance  تمويل المشروعات الصغيرة و المتوسطة التي توفر لصغار أصحاب المشاريع قروض مرنه لإنجاح مشروعاتهم .

رابعا : السياسات والشروط المتعلقة بالخصخصة وزيادة مشاركة القطاع الخاص  :

من السياسات التي يتبعها الصندوق في سياسة الإصلاح الاقتصاد زيادة الاعتماد على القطاع الخاص و تشجيع المستثمرين الاستراتيجيين سواء المحليين او الأجانب في زيادة الاستثمار في الدولة ، فكانت أحد أهم الخطوات التي وضعتها الدولة مؤخرا هي طرح وثيقة ملكية الدولة التي توضح تخارج الدولة من الكثير من الصناعات و زيادة الاعتماد و المشاركة مع القطاع الخاص ، بالرغم من أهمية طرح الوثيقة حاليا حيث تعتبر حجر الأساس في تشجيع دخول المستثمرين الاستراتيجيين و زيادة الاعتماد على القطاع الخاص ، ولكن يجب التركيز على المدة الزمنية لحدوث التخارج و اليات تطبيقه حتى ينفذ بشكل يعود بعائد جيد على الدولة .

في النهاية يمكننا القول ان السياسات الإصلاحية التي يشترطها صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قد يكون لها العديد من الاثار الإيجابية التي تنعكس على نمو الناتج المحلى الإجمالي و انخفاض معدل البطالة و تقليص حجم عجز الميزان التجاري ، ولكن ما يزال هناك اثار سلبية تتعرض لها الدولة ويتحملها المواطن ومن هنا يجب على الدولة التركيز في الاستفادة القصوى من الاثار الإيجابية و الحد من الأعباء المالية التي في النهاية يتحملها المواطن وان تعمل الدولة على تبنى سياسات تمكنها من الحفاظ مع تنمية معدلات التنمية المستدامة حتى يعود بالفائدة على الاقتصاد المصري. 

التوصيات:

  • ليعود القرض بثماره دون تحمل المواطن الكثير من الأعباء يجب على الدولة سن قوانين تشجع على جذب المستثمرين من خلال حزمة من الحوافز عمل خريطة استثمارية تشمل اهم الصناعات اتى يمكن ان يدخل فيها المستثمر مما يساعد على نمو الصادرات و دعم الناتج المحلى
  • على الدولة مراعاة الطبقات الاجتماعية محدودة الدخل وعدم تحميل أعباء الإصلاح الاقتصادي على تلك الفئات خاصة في ضوء شروط الصندوق بإلغاء الدعم خاصة على الغذاء و الطاقة ، لذلك نرى ان يكون الغاء الدعم تدريجيا او بشكل نسبي على مراحل طويلة الاجل حتى لا يتضرر المواطن بشكل كبير في ظل ارتفاع التضخم
  • العمل على تخفيض مستويات الدين العام عن طريق ترشيد النفقات العامة وزيادة مصادر إيرادات الدولة
  • بالنسبة للمساندات التمويلية التي يقدمها البنك المركزى للمشروعات الصغيرة و المتوسطة فالغائها سيؤثر بشكل كبير على صغار المستثمرين المحليين الذين يعتمدون بشكل كبير على مبادرات البنك المركزى 

المصادر :

  • البنك المركزي المصري : التقرير السنوي
  • تقرير وزارة المالية الشهري لسنة 2022 / 2021
  • صندوق النقد الدولي https://www.imf.org/ar/About/Factsheets/IMF-at-a-Glance
  • صندوق النقد الدولي: أسئلة أساسية عن مصر https://www.imf.org/ar/About/Factsheets/IMF-at-a-Glance
  • صندوق النقد العربي : التقرير الاقتصادي العربي الموحد ، العدد 38
  • World bank , country operation division , country department 11 , mena region , implantation completion report structure adjustment loan , www-wds worldbank.org/external/default/WDSContentServer/WDSP/IB/ 1996/01/22/000009265 _3961019174043/Rendered/PDF/multi_page.pdf

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى