سياسة

انقلاب النيجر وتداعياته الجيوسياسية المُحتملة داخل أفريقيا

اعداد :نهاد محمود أحمد

باحثة متخصصة في الشئون الأفريقية  عضو مجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز

أثار استيلاء بعض من عناصر الحرس الرئاسي في النيجر على السُلطة والإطاحة بالرئيس “محمد بازوم” بدءًا من 26 يوليو الجاري وما صاحب ذلك من حلّ للدستور وتعليق عمل مؤسسات الدولة وتشكيل مجلس انتقالي لإدارة البلاد، جُملة من المؤرقات لدى القوى الكبرى بشأن ما قد يجلبه ذلك الانقضاض على السلطة، مِن تغيّر بخريطة النفوذ الجيوسياسي لأفريقيا، بما يعنيه من تمدد لنفوذ ومصالح بعض القوى الكبرى، بشكل خاص روسيا، وما قد يُخلِّفه من تداعيات سلبية بشأن تقلّص نفوذ بعض القوى الأخرى والإضرار بمصالحها بالداخل النيجري، كفرنسا، التي طالما اعتبرت النيجر حليفًا استراتيجيًا لها بالقارة، خاصة مع خسارتها نفوذها التقليدي في كل من مالي وبوركينا فاسو.

 بناء على ما تقدّم تسعى هذه المقالة إلى التعرف على أبرز التداعيات المُصاحبة لهذا الانقلاب، بدءًا من الشكوك المُثارة حول ضلوع موسكو في سقوط “بازوم” المعروف بولائه للغرب والولايات المتحدة، وتأثير ذلك على دول الجوار، وصولًا للخسائر المُحتملة للقوى الغربية والأمريكية، في حال تمكنت مجموعة فاغنر -الذراع العسكري غير الرسمي لروسيا بأفريقيا- من وضع موطئ قدم لها بالنيجر وما يعنيه ذلك من تعميق للنفوذ الروسي بالداخل الأفريقي مقابل إضعاف القوى الكبرى المناوئة لها، لاسيما باريس وواشنطن.

صعود مُحتمل لموسكو داخل نيامي:

في حين أنه لا توجد مؤشرات في الوقت الحالي على أن موسكو قد لعبت دورًا حاسمًا في الانقلاب الذي يُمثل تحطيمًا لأول تداول سلمي للسلطة في النيجر منذ استقلالها عام 1960، إلا أن بعض القوى الغربية عَبّرت عن قلقها من احتمالية انخراط موسكو بالداخل النيجري وتقديم الدعم للجنرال “عبد الرحمن تشياني” قائد الحرس الثوري ورئيس المجلس الانتقالي، الذي تم تشكيله عقب الإطاحة ببازوم؛ حيث أشار دبلوماسيون بباريس وبروكسل إلى شكوكهما بشأن ما ينتظر تحالفاتهما مع النيجر بعد الانقلاب الذي حدث بالتزامن مع استضافة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” للقمة الروسية الأفريقية الثانية بمدينة سانت بطرسبرغ الروسية، بغياب “بازوم”، الرئيس المُطاح به.([1])

في السياق ذاته ووفقًا لصحيفة لوموند الفرنسية، فلا توجد مؤشرات واضحة لوجود أيدي روسية بانقلاب النيجر، الذي تُحرِّكه في الغالب مسائل داخلية تتصل بتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية بالبلاد، حسبما أعلن قادة الانقلاب. لكن ما أثار الشكوك بشأن تورط روسيا بتلك الأحداث يتصل بما صرّح به رئيس مجموعة فاغنر “يفغيني بريغوجين” من إشادة بالانقلاب العسكري وعرضه لخدمات مجموعته العسكرية لمساعدة المتمردين هناك. وفي رسالة صوتية نُشرت عبر قناة بتليجرام حملت علامة فاغنر قال “بريغوجين” أن ما حدث ما هو إلا نضال لشعب النيجر ضد مُستعمريه. وأضاف أن هذا في الواقع خطوة هامة من أجل الحصول على الاستقلال والتخلص من المستعمرين، وتابع حديثه بأن ألف مقاتل من قوات فاغنر قادرين على استعادة النظام والتخلص من العناصر الإرهابية، ومنعهم من إيذاء السكان المدنيين”.)[2](

سقوط الرئيس المُنتخب ديمقراطيًا وتداعياته إقليميًا ودوليًا:

من المُرجَّح أن يؤثر سقوط “بازوم” على الوضع المتقلّب في ليبيا وكذلك على دول شمال أفريقيا الأخرى مع فرنسا وبقية أوروبا. فضلًا عن القلق بشأن الاتفاقات التي أبرمتها النيجر مع الشركاء المختلفين (دول ومنظمات دولية وقارية)، رغم إعلان الانقلابيين هناك عن احترامهم لكافة الاتفاقات الموقعة قبل الانقلاب، على سبيل المثال دعّمت حكومة “بازوم” نشاط جهود الاتحاد الأوروبي لوقف تدفق المهاجرين الأفارقة عبر البحر الأبيض، فضلًا عن موافقتها على استعادة مئات المهاجرين المحتجزين في مراكز الاحتجاز في ليبيا. فهل تُكمل نيجر ما بعد الانقلاب التزامها بهذه التعهدات، أم سيكون لقادة الانقلاب هناك رأيًا آخر؟

في سياق القلق الذي يسود دول الجوار بشأن استيلاء الجيش على السلطة بالنيجر، حذّر رئيس الوزراء الليبي “عبد الحميد الدبيبة” من أن زعزعة استقرار النيجر ستصل تداعياته ليس فقط داخل الدولة، ولكن داخل المنطقة كلها وخارجها، خاصة فيما يتعلق بالتنافس بين القوى الكبرى الروسية من جهة والقوى الغربية “فرنسا” من جهة أخرى، فإذا وقعت النيجر تحت النفوذ الروسي من المتوقع أن تجد قوات فاغنر موطئ قدم لها داخل نيامي وبخاصة مع تواجدهم بكثافة في شرق ليبيا، خصوصًا في ظل الشكوك المُثارة بشأن التقارب والدعم بين كل من قادة الانقلاب وموسكو.([3])

وتزداد المخاوف لكون النيجر تُمثل قاعدة للعمليات العسكرية الدولية منذ سنوات، حيث تمدد أنشطة التنظيمات الإرهابية إلى منطقة الساحل. كما تتمثل أبرز تلك المخاوف في احتمالية استغلال تلك التنظيمات للأحداث الجارية -وما قد يصاحبها من حالة اضطراب وعدم استقرار- من أجل توسيع نفوذها خاصة في المناطق الحدودية للنيجر مع مالي وبوركينا فاسو، خاصة من قِبل تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، المعروفة بـ “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”).[4](

مخاوف فرنسية- أمريكية تلوح في الأُفق:

يمثل الانقلاب في النيجر تهديدًا لجهود فرنسا والولايات المتحدة هناك، خاصة مع استضافة النيجر لحوالي 1500 جندي فرنسي، وأكثر من 1000 جندي أمريكي، وذلك بشأن مكافحة التنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل وشمال أفريقيا.)[5]( تتزايد المخاوف لدى الجانبين خاصة مع تنامي شكوكهما بشأن احتمالية تورط الأذرع الروسية بتلك الأحداث والتي تم رفع أعلامها بالنيجر عقب وقت قصير من الاستيلاء على السلطة، وما يتصل بذلك من تداعيات في ظل التنافس المحتدم بين روسيا وفرنسا والولايات المتحدة داخل القارة. كما عبّرت الولايات المتحدة عن مخاوفها بشأن طائرات بدون طيار كانت قد شيّدتها في شمال النيجر كجزء من جهود مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل؛ حيث لم يُعرف مصير تلك القاعدة، وغيرها من مواقع العمليات الأمريكية داخل النيجر. لكن رغم ذلك قال المتحدث باسم القيادة الأمريكية في إفريقيا “جون مانلي” أنه من السابق لأوانه التكهن بأي إجراءات مستقبلية محتملة. لكن إجمالًا تُدرك الولايات المتحدة مع تغير السلطة بالنيجر تضاؤل شركائها الذين يقاتلون التنظيمات الإرهابية معها في منطقة الساحل. خاصة أن المجلس العسكري في مالي طالب الشهر الماضي بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي يبلغ قوامها 15 ألف جندي بالمغادرة، زاعمًا فشلها في تحقيق مهمتها. والآن لا تزال قوات فاغنر هناك، في ظل اتهامات من قبل هيئات المراقبة المعنية بارتكاب انتهاكات إنسانية جسيمة.)[6](

 بالنسبة لفرنسا فالقلق متزايد خاصة بعد أن جعلت النيجر حليفًا أساسيًا لها منذ الانقلاب العسكري بمالي عام 2021، وقرار باماكو الذي تلا الانقلاب بقطع العلاقات الأمنية مع باريس، واضطراراها لنقل جنود عملية برخان إلى النيجر وتشاد -تلك العملية التي استهدفت شمال مالي ضمن نشاط فرنسا لمواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة بمنطقة الساحل. حيث قالت رئاسة الأركان الفرنسية حينها “في إطار إعادة تنظيم عملية “برخان” خارج مالي سيبقى نحو 3 آلاف جندي في منطقة الساحل، وسيؤدّون مهامهم من قواعد موجودة في النيجر وتشاد.([7]) في المقابل أبرم المجلس العسكري في مالي تحالفًا مع موسكو. كانت الصفقة تقضي بأن تٌقدم مجموعة فاغنر خدمات أمنية لقيادة البلاد مقابل النفوذ السياسي والعقود لإدارة المناجم والموارد الطبيعية المحلية الأخرى.([8])

من جهة أخرى تخشى فرنسا أن تؤثر أحداث الانقلاب على اتفاقياتها الموقعة مع النيجر، خاصة مع ربط ما يحدث بنيامي بمشاهد سابقة بدت مألوفة خلال السنوات القليلة الماضية بدول مجاورة استغنت عن الوجود الفرنسي عقب سقوط السلطة بأيدي العسكريين المتحالفين مع موسكو، مثلما حدث في بوركينا فاسو حينما قررت الحكومة الانتقالية التي تشكلت في واغادوغو بعد الانقلاب العسكري في سبتمبر 2022 التخلي عن اتفاقيات الدفاع المُبرمة بين البلدين،([9]) كما أعلنت هيئة أركان الجيش في بيان رسمي لها في فبراير 2023 عن انتهاء عمليات القوة الفرنسية العسكرية “سابر” على الأراضي البوركينية.([10]) الأمر لم يختلف كثيرًا في مالي التي ضمت قوات فرنسية منذ 2013 لمحاربة التنظيمات المتطرفة بشمال البلاد، خرج أخر جنودها في أغسطس 2022. ([11]) لذا عقب طرد القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو قررت باريس الاعتماد على النيجر، إضافة لتعاونها الممتد مع جيبوتي، في ظل جهودها لمحاربة الجماعات الإرهابية المتنامية التواجد بمنطقة الساحل وشمال أفريقيا، وحتى بوسط وجنوب أفريقيا، بما في ذلك الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة وفروع داعش بأفريقيا وبوكو حرام. لهذا في أعقاب خروج باريس القسري من مالي وبوركينا فاسو تزايدت المخاوف الفرنسية بشأن قيام المجلس الانتقالي بعرقلة الجهود الفرنسية لتجديد التعاون الأمني في أفريقيا. في هذا السياق أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية “كاثرين كولونا” الجمعة 28 يوليو الموقف الفرنسي الرافض للانقلاب العسكري على الرئيس النيجري “محمد بازوم”، والتأكيد على أن الرئيس الفرنسي”إيمانويل ماكرون “يواصل اتصالاته مع رئيس النيجر المنتخب ديمقراطيًا، فضلًا عن التأكيد الفرنسي بعدم اعترافه بالسلطات الحالية المنبثقة عن الانقلاب العسكري.([12])

 من خلال ما سبق بيانه يمكن إرجاع قلق كل من باريس وواشنطن لاعتبارهما النيجر دولة استراتيجية في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية المتمركزة بمنطقة الساحل. فضلًا عن اعتبارها من قِبل واشنطن كواحدة من أكثر الحلفاء التي تثق بها في حربها ضد القاعدة وداعش وبوكو حرام، لاسيما أنها كانت آخر دول الساحل التي لم تُعمِّق التعاون مع روسيا على حساب الغرب والولايات المتحدة.)[13]( ولا تختلف فرنسا كثيرًا عن الولايات المتحدة، إضافة لقلقها المتعلق بأن تؤدي مشاعر العداء المتنامية تجاهها بمستعمراتها السابقة إلى فتح المزيد من المنافذ لمجموعة فاغنر، كما حدث في كل من مالي وبوركينا فاسو.)[14](

خاتمة:

من المرجح أن تجلب محاولة الانقلاب في النيجر المزيد من انعدام الأمن إلى المنطقة ككل. إضافة لما ستجلبه من تحديات إضافية لواحدة من أفقر دول العالم التي تكافح بالتوازي مع كل هذه التحديات، التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ إلى جانب المهاجرين الأفارقة الذين يأتون للنيجر محاولون شق طريقهم عبر الصحراء الكبرى وإلى شمال إفريقيا وصولًا إلى أوروبا. على الصعيد الدولي فإن رحيل بازوم القسري يُمثل نكسة كبرى للغرب والولايات المتحدة بالمنطقة، وخاصة لفرنسا، تلك الضربة التي جاءت بعد أشهر من انسحاب قواتها من بوركينا فاسو ومالي المجاورتين للنيجر. الأمر ذاته عبَّرت عنه واشنطن التي تحدث وزير خارجيتها “أنتوني بلينكن” مع بازوم وأعرب عن دعم بلاده الثابت لنيامي وتأكيده أن الشراكة الاقتصادية والأمنية الأمريكية مع النيجر تعتمد على استمرار الحكم الديمقراطي واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان.

أخيراً؛ يبقى التساؤل الحاسم الآن: هل ستُركز النيجر على قوات فاغنر وتتخذ منها شريكًا فاعلًا في مكافحة الإرهاب كجارتيها مالي وبوركينا فاسو، أم أن التطورات المُقبلة ستٌسفر عن نتائج مغايرة!


([1]) Rina Bassist, “After Niger coup, France worries over Russia’s influence, impact on North Africa:”, Al Monitor, Jul 27, 2023, available on: https://rb.gy/3sdjs

([2])  جريدة الشرق الأوسط، 28 يوليو 2023، على الرابط: https://shorturl.at/mSW28

([3]) Rina Bassist, Op.cit.

([4]) Cara Anna, “Supporters of Nigerien President Mohamed Bazoum Demonstrate In His Support In Niamey”, Time, Jul 27, 2023, available on: https://t.ly/1Rvdd

([5]) Laura Kayali, “Niger coup leaves France, US exposed in West Africa”, Jul 27, 2023, available on: https://t.ly/YwVTv

([6]) Cara Anna, Op.cit.

  ([7]) سكاي نيوز عربية، 22 أغسطس 2022، على الرابط: https://t.ly/ms7Zz

([8]) Rina Bassist, Op.cit.

([9]) Rina Bassist, Op.cit.

  ([10]) فرانس 24، 20 فبراير 2023، على الرابط: https://t.ly/E9Zkv

  ([11]) سكاي نيوز عربية، مرجع سبق ذكره.

([12]) Rina Bassist, Op.cit.

([13]) Laura Kayali, Op.cit.

([14]) Cara Anna, Op.cit.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى