بعد أقل من عام على سلام بريتوريا:ما الذي يجري بإقليم أمهرة الإثيوبي؟
اعداد :نهاد محمود أحمد -باحثة متخصصة في الشئون الأفريقية -عضو مجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مقالًا لـ “عبدي لطيف ضاهر” حول الاشتباكات الأخيرة التي اندلعت بإقليم أمهرة الإثيوبي نتيجة قرار حزب الازدهار الإثيوبي الحاكم في أبريل الماضي بحلّ القوات الخاصة بأمهرة المعروفة بـ “فانو”، وما صاحب ذلك من مقاومة للأمهرة قوبِلت بممارسات قمعية من قِبَل الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، وسط ردود فعل دولية قلِقة داعية إلى ضرورة تبني الحوار وكافة الحلول السلمية الممكنة من الجانبين، تجنبًا لدخول البلاد لدائرة اقتتال جديدة في منطقة تعاني بالفعل الكثير من الأزمات والتحديات.
شهد إقليم أمهرة مؤخرًا عددًا من الاشتباكات بعد توترات دامت لشهور كان مرجعها اقتراح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بتفكيك القوات الإقليمية الخاصة في جميع البلاد ونزع سلاحها ودمجها في الجيش، وهي خطوة قال القوميون في أمهرة أنها ستقوّض كثيرًا الأمن في منطقتهم. جدير بالذكر أن الميليشيا العرقية “فانو” كانت متحالفة مع آبي أحمد في جهوده التي استمرت لعامين للقضاء على المقاتلين المتمردين بمنطقة تيغراي المجاورة. أما الآن فهي تقاتل الجيش في محاولة للحفاظ على قوات أمهرة الإقليمية، وذلك بعد أقل من عام من انتهاء حرب تيغراي، ما يهدد بإغراق البلاد مجددًا في دائرة صراع أخرى، فضلًا عن احتمالية أن يقوّض ذلك استقرار المنطقة ككل، وبخاصة في ظل الصراع الدائر بالسودان منذ أبريل الماضي والذي دفع اللاجئين إلى الفرار لإثيوبيا. ويشير المختصون في هذا الشأن بأن ذلك الصراع قد يؤثر وبشدة على جهود آبي أحمد لتركيز السلطة في الحكومة الفيدرالية وكبج جماح الجماعات السياسية القائمة على أساس عرقي والتي تتنافس على الهيمنة في ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان.
بناء على ما تقدّم، ومن خلال قراءة أوّلية للوضع الإثيوبي المُعقّد بين الحكومة الإثيوبية والقوات الخاصة لإقليم أمهرة-يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط الهامة والفاصلة بين الجانبين، وفقًا لما ورد بالمقال، فيما يلي:
- سياق إثيوبي مُحفِّز للأزمة: تعوذ جذور القتال الأخير إلى أبريل 2023، عندما أعلنت الحكومة الإثيوبية بأنها ستحلّ القوات الإقليمية داخل البلاد، جدير بالذكر أنه يوجد في إثيوبيا 12 منطقة اتحادية، لكل منها قواتها الخاصة وقادتها الإقليميون. لكن خطة آبي أحمد قوبلت بمقاومة شديدة بمنطقة أمهرة، حيث احتج السكان المحليون على القرار مُتهمين إياه بالرغبة في توسيع هيمنته في المنطقة وتركهم عرضة لمزيد من الهجمات، وهو ما نفاه رئيس الوزراء الإثيوبي. كما يذهب بعض المحللين بأن السبب الحقيقي لهذه الأزمة يكمن في شعور الأمهرة، ثاني أكبر المجموعات العرقية بالبلاد -26.9% من إجمالي السكان، بالقلق نتيجة لتجاهلهم خلال محادثات بريتوريا للسلام المعنية بحرب تيغراي والتي أجريت نوفمبر 2022 الفائت. وما عبّروا عنه بأن الصفقة لم تأخذ في الاعتبار الأراضي المتنازع عليها التي استولى عليها مقاتلوهم خلال الحرب.
- ردود أفعال عنيفة متبادلة بين الحكومة الفيدرالية وأمهرة: ردًا على احتجاجات أبريل الماضي شنّت السلطات حملة قمع واسعة على الأمهرة أسفرت عن اعتقال مئات النشطاء والصحفيين والقادة المحليين، كما بدأت قوات الأمن الاتحادية في الاشتباك مع ميليشيات فانو، حيث بلغ العنف مداه هذا الشهر عندما اتهمت السلطات الميليشيات بمحاولة الإطاحة بالحكومة الاتحادية. شملت أعمال العنف البلدات والمدن الكبرى بما في ذلك بحر دار -عاصمة أمهرة، وغوندار، وهي مدينة تجارية رئيسية قريبة من الحدود السودانية، كما استولت الميليشيات على مطار لاليبيلا وفقًا لتحذير صادر عن الحكومة البريطانية. واندلع القتال أيضًا بمدينة “ديبري بيرهان” حيث أبلغ السكان عن استمرار قذائف الهاون والمدفعية في وقت سابق من الأسبوع الماضي. من جهة أخرى اتهمت جماعة حقوقية كل من قوات أمهرة الإقليمية وميليشيا فانو بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق خلال حرب تيغراي، كما اتهم متمردو تيغراي بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. في سياق ما يتعرض له الأمهريين يقول “هون مانديفرو” عضو جمعية أمهرة الأمريكية، وهي مجموعة مناصرة لأمهرة مقرها الولايات المتحدة، أن العديد من الأمهرة يشعرون بأن لا أحد يستمع إليهم، مضيفًا أن الوضع الراهن لا يطاق من قبل الأمهريين.
- تعتيم إثيوبي بشأن أعداد ضحايا الاشتباكات: في ظل غياب أي إحصاءات رسمية عن أعداد الضحايا، أبلغ السكان عن أكثر من 10 وفيات بشكل جماعي، وفي بلدة “شيوا روبيت” قال أحد السكان أنه رأى جثتين تم إلقائهما بالشارع وحضر جنازة 5 آخرين قُتلوا خلال الاشتباكات. وذكر “تيمسجين تيرونه” المدير العام لجهاز المخابرات الوطني الذي يُشرف أيضًا على إدارة حالة الطوارئ في بث حكومي إن ميليشيا فانو حررت سجناء ونهبت مبان حكومية ودمرت وثائق في البلدات التي استولت عليها.
- سيطرة إثيوبية على المدن المشتعلة وسط أزمة إنسانية طاحنة: بحلول الجمعة الماضية قالت السلطات الإثيوبية بأن الجيش استعاد السيطرة على المدن والبلدات التي فقدها ووعد باستئناف الخدمات الحكومية بـ “أمهرة”، لكن المسئولين والمراقبين ظلوا قلقين من أن يشنّ مسلحو فانو هجمات مجددًا خاصة في المناطق الريفية حيث يتمتعون بدعم كبير. وقال سكان محليين في عدة مدن بأنحاء المنطقة أن الشركات لا تزال مغلقة والعديد من الأسر لا تزال غير قادرة على العثور على الطعام حتى في الوقت الذي يحتفلون فيه بأيام الصيام المقدسة لكنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية. يقول “كيدان هايلو” سائق توك توك بمنطقة “لاليبيلا” إحدى مواقع التراث العالمي لليونسكو المعروفة بكنائسها المحفورة في الصخر بإقليم أمهرة، في مقابلة: “كنا ضحايا لكوفيد- 19 ثم الحرب في تيغراي والآن نواجه هذا الصراع، أنا مُتعب للغاية”.
- مخاوف إسرائيلية متصاعدة: دفعت الأزمة الحالية الحكومة الإسرائيلية إلى إصدار أمر بإجلاء 204 شخص معظم من مواطنيها إضافة لبعض الأشخاص المؤهلين للحصول على الجنسية الإسرائيلية، على متن أربع رحلات جوية مختلفة من مدن عدة بينها “غوندار” التي طالما اعتبرها اليهود الإثيوبيون موطنًا لهم. على صعيد التوترات المصاحبة للرعايا الأجانب يقول “ليئور حيات” المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية: “عندما تحدثنا إلى بعض الناس، كنا نسمع إطلاق النار من نوافذهم”، وتضيف الأزمة الأخيرة إلى الدولة الإثيوبية تحديات ومشكلات إضافية، جنبًا إلى جنب مع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العديدة التي تواجه البلاد بالفعل. واستمر العنف في تمزيق منطقتي “أوروميا” و”غامبيلا”، ما أجبر عددًا أكبر بكثير من الإثيوبيين على الفرار من ديارهم. ولا يزال الملايين منهم يعانون من انعدام المواد الغذائية، حتى مع استئناف برنامج الأغذية العالمي الأسبوع الماضي وتوزيع بعضها بعد توقف دام شهور بسبب أعمال السرقة وممارسات الفساد.
- ردود فعل دولية وبيان مشترك تجاه الأزمة: وفيما يتعلق بردود الفعل الدولية؛ نشرت السفارة الأمريكية بأديس أبابا، بيانًا مشتركًا مع 4 دول أخرى، على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” الجمعة 11 أغسطس، قالت فيه: “تشعر حكومات أستراليا، واليابان، ونيوزيلندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية بالقلق إزاء أعمال العنف الأخيرة في منطقتي أمهرة وأوروميا، والتي أسفرت عن مقتل مدنيين وعدم استقرار”. وأضافت: “نشجع جميع الأطراف على حماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان والعمل معًا لمعالجة القضايا المعقدة بطريقة سلمية، وأكدت على مواصلة المجتمع الدولي دعم هدف الاستقرار طويل الأمد لجميع الإثيوبيين”.
في الأخير، ومن أجل تهدئة الأوضاع بالداخل الإثيوبي المُشتعل ينصح محللون بأنه من الحكمة أن تسعى الحكومة الإثيوبية إلى الحوار مع الأطراف المتضررة (أمهرة والقوات الخاصة “فانو”)، خاصة وأن إثيوبيا ليست بالدولة الصغيرة، فهي الدولة المحورية والرائدة بمنطقة القرن الأفريقي. ويقول مدير برنامج أفريقيا لمجموعة الأزمات الدولية “موريثي موتيغا” في هذا السياق: “رغم أن القتال الأخير لايزال في أيامه الأولى ويمكن احتوائه، إلا أنه في حين فُقِدت السيطرة عليه فربما تكون العواقب خطيرة على المنطقة ككل، وأن يتطور إلى تمرد بطيء يجتذب الجوار القلق بالفعل ويلقى بأضرار وتبعات لن يُمكن استيعابها أو السيطرة على تداعياتها”.
الرابط الأصلي:https://www.nytimes.com/2023/08/11/world/africa/ethiopia-fighting-war.html