تقارير

ترجمات وعروض : بعد انقلاب النيجر.. الولايات المتحدة تسعى جاهدة للحفاظ على قاعدتها الجوية الحيويّة

اعداد :نهاد محمود أحمد- باحثة متخصصة في الشئون الأفريقية – عضو مجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز

نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مقالًا لكل من إليان بلتيير وإريك شميت في يناير من العام الحالي 2024 حول مستقبل العلاقات الأمريكية- النيجرية، عقب عملية الإطاحة العسكرية التي تمت إزاء الرئيس المعزول محمد بازوم في يوليو الماضي من عام 2023. ويناقش المقال حرص الولايات المتحدة على استئناف التعاون بينهما لاسيّما وأن واشنطن تمتلك قاعدة جوية بالدولة بالنيجرية غير الساحلية، فضلًا عن مساعدات وجهود أمريكية عدة لمكافحة الإرهاب بمنطقة غرب إفريقيا، كما يتطرق المقال إلى العلاقات الأوروبية- النيجرية في المستقبل المنظور، بعيدًا عن فرنسا القوى الاستعمارية التقليدية بمنطقة غرب إفريقيا والتي تراجع حضورها كثيرًا بالمنطقة بدءًا من انقلابيّ مالي في أغسطس2020 ومايو 2021، مرورًا بانقلابيّ بوركينا فاسو في يناير وسبتمبر من عام 2022، حتى انقلاب النيجر في يوليو 2023.

في البداية يشير المقال إلى القاعدة الجوية الأمريكية بالنيجر، التي تتواجد على رقعة قاحلة من الأرض في الصحراء الكبرى، بعيدًا عن الأنظار، على مشارف مدينة نائية في واحدة من أفقر دول العالم، في إشارة إلى النيجر الواقعة بغرب إفريقيا ومستقبل هذه القاعدة في ظل وجود هذا الحكم العسكري. إضافة إلى ذلك فإن معظم الطائرات بدون طيار التي كانت تراقب الأنشطة الجهادية في البلدان الأفريقية التي تمر باضطرابات قد تم إيقافها. كما أن معظم الأمريكيين المتمركزين في القاعدة التي تبلغ تكلفتها 110 ملايين دولار، بالقرب من مدينة أغاديز النيجرية، يجلسون مكتوفي الأيدي، مما يجسد المستقبل غير المؤكد لجهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا، والتي بالرغم من هذه التحديات إلا أنه من الصعب التخلي عنها، على الأقل في الوقت الحالي.

على صعيد آخر يتطرق الكاتبان إلى الانقلاب العسكري بالنيجر، والذي صاحبه عدة نتائج كان أبرزها أن أوقفت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون تعاونهم مع البلاد التي أصبحت على مدى العقد الماضي واحدة من أكبر المستفيدين من المساعدات الأمنية ومساعدات التنمية في أفريقيا. بينما يعزز المجلس العسكري الحاكم في النيجر قبضته على السلطة، تواجه إدارة بايدن الآن تحديات جديدة في معركتها ضد المتشددين في إفريقيا. ومن أهمها كيفية استئناف العمليات في القاعدة الجوية الأمريكية 201 – وهي أهم الأصول العسكرية في منطقة تبرز كمركز عالمي لمكافحة النشاط الإرهابي المتنامي بالمنطقة.

الولايات المتحدة والبحث عن المُقاربة الأمثل للتعامل مع نيجر ما بعد الانقلاب:

في هذا الإطار تجد الولايات المتحدة نفسها في حيرة؛ فبعد أن وصفت الاستيلاء على السلطة بأنه انقلاب، باتت مطالبة بموجب القانون بتعليق العمليات الأمنية ومساعدات التنمية للنيجر، كما أنه لا يمكنها استئنافها بالكامل حتى تتم استعادة الديمقراطية في البلاد، إلا أنها نتيجة لجملة من المصالح الأمنية والعسكرية والجيوسياسية بالمنطقة لا ترغب في قطع العلاقات تمامًا بينها وبين نيامي. لذا، ففي حين أشار المسؤولون الأميركيون إلى أنهم يرغبون في إعادة تأسيس التعاون الأمني مع حكومة النيجر، فإن القيام بذلك مع الرئيس النيجري السابق محمد بازوم تحت الإقامة الجبرية سوف يتطلب جهودًا تبدو شبه مستحيلة في الوقت الراهن. ما يزيد الأمر تعقيدًا بالنسبة لواشنطن، أن الدول الأوروبية التي استثمرت مئات الملايين من الدولارات في المساعدات وأرسلت آلاف الجنود إلى النيجر منقسمة حول ما يجب القيام به بعد ذلك. أضف إلى ذلك أنه وبناء على طلب النيجر، غادر حوالي 2000 جندي أوروبي البلاد في الأشهر الأخيرة – تاركين حوالي 1000 جندي أمريكي كوجود غربي كبير فقط في البلاد. لكن العديد من الدول الأوروبية أشارت مؤخرًا إلى أنها راغبة في استعادة العلاقات مع المجلس العسكري.

على صعيد التنافس الروسي- الأمريكي بالمنطقة يقول دانيال إيزينغا، الباحث بمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، وهي مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع: “أن روسيا ستكون هناك بغض النظر عن أي شيء، سواء كانت الولايات المتحدة على الطاولة أم لا”. من جهة أخرى يشير مسؤول عسكري أمريكي إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تناقش إنشاء قواعد جديدة للطائرات بدون طيار مع العديد من الدول الساحلية في غرب أفريقيا كدعم للقاعدة في النيجر، الدولة غير الساحلية. وقال المسؤول إن المحادثات لا تزال في مراحلها الأولى وستحتاج إلى الكثير من التفاصيل التي يتعين العمل عليها. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال أول من تحدث عن المناقشات قبل أيام قليلة. كما أضاف المسؤول أن الجيش الأمريكي لا يزال مصممًا على التمسك بالقاعدة الجوية 201، خاصة أنه أكبر مشروع بناء يقوم به مهندسو سلاح الجو بمفردهم على الإطلاق، حتى في الوقت الذي يتم فيه مناقشة السياسة في المنطقة في واشنطن وتم تأجيل أي قرارات في الوقت الحالي بسبب الأزمات في غزة وأوكرانيا. ومع ذلك، قالت أنيليسي برنارد، مستشارة سابقة لوزارة الخارجية عملت في النيجر في أواخر عام 2010، إن المحادثات لنقل القوات الخاصة وعمليات الطائرات بدون طيار خارج البلاد قد بدأت منذ فترة، من المحتمل أن تنتقل إلى غانا وساحل العاج”.

تعاون مُحتمل بين واشنطن ونيامي:

يقول بعض المحللين إنه مع وجود ما يقدر بنحو 11.5 مليون نيجيري -44 في المائة من السكان- يعيشون في فقر مدقع، وفقًا للبنك الدولي، قد يكون لدى النيجر حافز قوي لإصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا لإعادة تدفق المساعدات وأموال الأمن مرة أخرى. ويقول مسؤولون ومحللون أمريكيون أن هجمات الجماعات المتشددة زادت منذ الانقلاب وأن مئات المدارس لا تزال مغلقة بسبب انعدام الأمن على نطاق واسع. كما ترك الدبلوماسيون الأجانب والعاملون في المجال الإنساني البلاد وساعدت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها “إيكواس” على ارتفاع أسعار الغذاء وأبقت حتى المساعدات الإنسانية محظورة على الحدود.

وفي حين أن المشاعر المعادية للغرب تتصاعد في العاصمة نيامي، فإن العديد من النيجريين في أماكن أخرى من البلاد يشعرون بخلاف ذلك، وخاصة في أغاديز، التي يضم مركزها التاريخي أطول مسجد من الطوب اللبن (نوع من أنواع القراميد البدائية التي عرفت منذ العصر الحجري الحديث) في العالم وهو أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. “لقد قلنا للسلطات المركزية: لا تطردوا الفرنسيين والأمريكيين لجلب الروس”، قال محمد أناكو، مسئول بمنطقة أغاديز، التي تضم القاعدة الجوية الأمريكية 201. مستكملًا: “نحن لسنا بحاجة إلى مُستعمرين جدد”. جدير بالذكر أن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في غرب أفريقيا، كانت قد سحبت جميع قواتها العسكرية وأغلقت بعثتها في نيامي.

على صعيد آخر قد يكون العديد من النيجريين غير منزعجين لوجود الولايات المتحدة، لكن رغم ذلك ينتظر البلدان طريق طويل نحو استعادة العلاقات كالسابق. تأكيدًا لذلك يقول مسؤولو القيادة الأفريقية إن التفاعلات بين الجيش الأمريكي وقادة المجلس العسكري تقتصر الآن على المكالمات الهاتفية الدورية بين الجنرال مايكل لانغلي، رئيس القيادة الأمريكية في إفريقيا، والعميد موسى صلاح برمو، رئيس دفاع المجلس العسكري. وفي الوقت الحالي، لا يزال الجيش الأمريكي يقوم بمهام مراقبة بدون طيار غير مسلحة لحماية قواته المتمركزة في نيامي وأغاديز. وبموجب التزام “واجب التحذير”، فإنهم ينقلون أي تهديدات خطيرة يكتشفونها إلى النيجريين. كما أشار دبلوماسيون أمريكيون إلى أنهم يرغبون في إصلاح العلاقات مع المجلس العسكري واستئناف العمليات الأمنية في القاعدة الجوية 201 لكن كيف يمكنهم تحقيق ذلك لا يزال غير واضح حتى الآن.

رغبة أمريكية- غربية للتوجه مُجددًا نحو النيجر:

قدّمت السفيرة الأمريكية الجديدة في النيجر، “كاثلين فيتزغيبون”، وهي واحدة من كبار المتخصصين في شؤون أفريقيا في واشنطن، أوراق اعتمادها مؤخرًا إلى الحكومة النيجرية. وخلال رحلة إلى النيجر ديسمبر 2023 الماضي–وهي الثانية منذ الانقلاب– قالت “مولي في” كبيرة مسؤولي سياسة أفريقيا في وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة تعتزم استئناف التعاون الأمني والتنموي، حتى في الوقت الذي دعت فيه إلى انتقال سريع إلى الحكم المدني وإطلاق سراح بازوم، الرئيس المخلوع. لكن بازوم لا يزال قيد الإقامة الجبرية في القصر الرئاسي بنيامي مع زوجته وابنه، معزولين عن بقية العالم باستثناء زيارات عرضية من طبيب. من الناحية النظرية، يمكن للمجلس العسكري أن يعلن جدولًا زمنيًا للانتقال إلى الحكم المدني للولايات المتحدة لاستئناف بعض الدعم، وليس لأغراض أمنية. ومع ذلك، رفض الجنرالات في السلطة حتى الآن إطلاق سراح بازوم أو الإعلان عن جدول زمني.

في الأخير، أعلنت عدد من الدول الأوروبية عن استعدادها للمًضي قُدمًا في علاقاتها مع النيجر، سواء في ظل وجود السيد بازوم أو بدونه. وفي اجتماعات عقدت الشهر الماضي مع مسؤولين نيجريين في نيامي، تعهد وزير الدفاع الألماني باستئناف التعاون في عام 2024. كما عبّرت دول أخرى كإيطاليا وإسبانيا عن استعدادها للتعامل مع المجلس العسكري، أما فرنسا فهي خارج هذه الحسابات لاسيّما في ظل موقفها المتصلب تجاه القادة العسكريين في البلاد، ناهيك عن المشاعر العدائية المتنامية إزائها بمنطقة الساحل ككل.

الرابط الأصلي للمقال:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى