سياسة

ورقة تحليلية “بين الدبلوماسية والقوة:قراءة في مدى إمكانية استخدام الخيار العسكريكحل أخير لأزمة سد النهضة”

اعداد : نورهان شرارة- – باحثة بوحدة الدراسات السياسية

مراجعة : رامي زهدي – عضو الهيئة الاستشارية للدراسات الافريقية بالمركز

المقدمة:   

تعتبر قضية سد النهضة من القضايا المطروحة على الساحة المحلية والاقليمة والدولية وهي على رأس قضايا الأمن القومي المصري حيث أنها تمس بشكل مباشر الامن المائي لمصر ومن هنا تكتسب القضية أهميتها إذ تعتمد مصر اعتماد كلي علي مياه النيل كمصدر رئيسي لمواردها المائية، نظرًا لندرة الأمطار ومحدودية المياه الجوفية غير المتجددة، ومن هنا تأتي خطورة بناء سد النهضة الأثيوبي، كمشروع تنموي لإثيوبيا يندرج ضمن “مبادرة حوض النيل ” التي وقعت عليها كل من (إثيوبيا -كينيا – تنزانيا – أوغندا – رواندا – بوروندي ) لتنفيذ مشروعات تنموية على المجرى النهري و توليد الطاقة الكهربائية بشكل أحادي، مما ينعكس سلبًا على مصر و السودان . حيث يتوقع أن تنخفض حصة مصر السنوية من مياه النيل من 55مليار متر مكعب إلى مقدار يتراوح من 35 إلى 40 مليار متر مكعب. وهذا ما رفضه الدولة المصرية رفضا قاطعا على مدار السنوات الماضية وحاولت بشتى الطرق اللجوء للتفاوض مع أثيوبيا لضمان حق مصر والحفاظ على أمنها المائي وكذلك حق اثيوبيا والدول الافريقية الاخري في التنمية واقامة المشروعات القومية التنموية.

وقد فرضت الأزمة نفسها بعد تقديم الدولة المصرية مقترحا فنيا للسلطات الاثيوبية يضمن التنمية التي تسعى لها اثيوبيا مع مراعاة دولتي المصب وعدم المساس بحقيهما في مياه النيل أو الاضرار بحصة مصر المائية بحسب الاتفاقات المبرة بين الجانبين باية من بروتوكول روما 1801 الي اتفاقية اطار التعاون بين مصر واثيوبيا في عام 1993 والتي نصت على الحفاظ على الموارد المائية لدولتي المصب والتعهد بعدم الاضرار بالمصالح المائية عن طريق انشاء السدود والمشاريع المائية التي تعرقل تدفق المياه الى تلك الدول دون الاتفاق فيما بين قادة الدول الثلاث .

وعلى مدار عقد كامل من المفاوضات الثلاثية واللجوء الى القوى الاقليمية والدولية وفي وسط تعنت واضح من الجانب الاثيوبي وخرقها لجميع الاتفاقيات الدولية وانحياز بعض الدول لها وصلت الأزمة ذروتها لتعلن مصر على لسان وزير خارجيتها أنه لا نية للجوء الي مجلس الامن مجددا وأن مصر قادرة على التعامل مع الامر واتخاذ اجراءات تحمي المواطن المصري والامن المائي المصري وهذا ما وضع الازمة في منطقة مختلفة وترك تساؤلات عدة عما إذا كانت مصر ستتبني سياسة جديدة للتعامل مع الازمة وماذا ستكون هذه السياسة وما ابعادها.

أبعاد الأزمة وتداعياتها

يجري بناء سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل الازرق الذي يمثل المصدر الرئيسي لإيرادات مياه نهر النيل بنسبة 86٪، وازدادت خطورة السد مع اعلان اثيوبيا عن نيتها ببناء مجموعة سدود بسعة تخزينية تبلغ 200 مليار م3 من مياه النهر لتوليد طاقة تبلغ 45 ألف ميجاوات من إجمالي 200 ألف ميجاوات تمثل المستهدف الاستراتيجي لإثيوبيا وهو ما سيتيح لها التحكم منفردة في ضخ المياه لدولتي المعبر والمصب.

   ورغم أن السبب المعلن من الجانب الأثيوبي لبناء السد هو توليد الطاقة الكهربية التي تحقق الاكتفاء لاثيوبيا ودول الجوار الا ان هذا السبب لا يفسر أبدا التعنت الاثيوبي تجاه التفاوض والحل مع الجانب المصري اذ أن الدولة المصرية قدمت حلولا على مدار سنوات تضمن تحقيق التنمية لاثيوبيا والدول الافريقية دون المساس بأمنها المائي.

منذ أن بدأت اثيوبيا في بناء السد والشروع في ملئه وقد تبنت استراتيحية المماطلة والتسويف واستنزاف الوقت ومد فترات التفاوض والتي باءت جميعها بالفشل على مدار ما يزيد عن 10 سنوات لتفرض موقف يصعب على الدولة المتضررة من السد التعامل معه أو معارضته أو تحاوزه وذلك بالتزامن مع عملها فعليا في أعمال الانشاء ومن بعدها المليء.

وقد أعلنت اثيوبيا عن نيتها انشاء عدد من المشروعات التنموية على أنهارها الدولية منذ عام 2001 ضمن استراجية تنموية أعلنتها حكومتها في نفس العام، وبعد قرابة عشرة أعوام تم توقيع اتفاقية “عنتيبي” بين ست دول لحوض النيل هن إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبروندي والتي رفضتها مصر رفضا تاما حيث أن بموجب هذه الاتفاقية تنتهي الحصص التاريخية لمصر والسودان وفقا لاتفاقيات عامي 1929 و1959.

ويمكننا القول إن السياسة التي تتبعها اثيوبيا هي سياسة فرض الأمر الواقع والتي قد تجعل باقي الدول تسلكها مما ينذر بمزيد من التعديات على الاتفاقيات والمواثيق الدولية المنظمة لهذا الشأن.

وقد حاولت مصر بشتى الظ\طرق إلزام اثيوبيا التراجع عن موقفها الاحادي بشأن أعمال البناء والملء للسد من خلال أعوام عدة من المفاوضات واشراك أطراف إقليمية ودولية دون جدوى.

محطات التفاوض بشأن سد النهضة:

في عام 2011 أعلنت أثيوبيا تدشين مشروع انشاء سد النهضة وفي نفس العام اتفقت السلطات المصرية آنذاك مع الحكومة الاثيوبية على تشكيل لجنةدولية لدراسة آثار بناء السد وبدأت اللجنة أعمالها في منتصف مايو من عام 2012، وبعد عام من تشكيل اللجنة أصدرت تقريرها بضرورة اجراء دراسات تقييم لاثار السد على دولتي المصب ورغم التحذيرات فقد شرعت أثيوبيا في أعمال البناء قبل تشكيل اللجنة الفنية والتي رفضت مصر هي الاخرى تشكيلها بدون خبراء اجانب.

وخلال عام 2014 اتفقت السلطات المصرية والاثيوبية على استئناف المفاوضات وعقد الاجتماع الاول للجنة الثلاثية التي تضم مصر والسودان واثيوبيا للتباحث حول صياغة الشروط المرجعية للجنة الفنية والاتفاق على دورية عقد الاجتماعات وفي اكتوبر من ذات العام اتفقت الدول الثلاثة على اختيار مكتبين استشاريين أحدهما هولندي والاخر فرنسي لعمل الدراسات المطلوبة بشأن السد.

 وفي عام 2015 وقع رئيس الوزراء الاثيوبي آنذاك “هايلي مريام ديسالين” والرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والسوداني عمر البشير اتفاق اعلان المبادئ بشأن سد النهضة الا ان في نفس العام انسحب المكتبان الاستشاريان لعدم وجود ضمانات لإجراء الدراسات بحيادية. واستمرت المفاوضات بين الاطراف الثلاثة حتى وقع وزراء خارجية الدول الثلاثة على وثيقة الخوطوم في ديسمبر من العام ذاته التي تضمنت التأكيد على اتفاق اعلان المبادئ الموقع عليها من رؤسات الدول الثلاث وكذلك تكليف مكتبين فرنسيين لتنفيذ الدراسات الفنية الخاصة بالسد.

ورغم عدم اكمال اللجنة المتفق عليها من الدول الثلاث التقرير الفني للسد كانت اثيوبيا بالفعل بدأت في اعمال الانشاء وسط تحذيرات من دولتي المصب فقد اعلنت السلطات في اثيوبيا في منتصف مايو عن اكتمال 70% من بناء السد قبل عام كامل من اعلان اللجنة الانتهاء من تقريرها الفني المبدئي والذي اعلنت مصر موافقتها عليه وقابلته اثيوبيا بالرفض واندلعت الخلافات بين أطراف الازمة مجددا

وفي نوفمبر عام 2017 أعلن وزير للري المصري انذاك عدم التوصل لاتفاق بعد رفض كلا من اثيوبيا والسودان للتقرير المبدئي، وفي ديسمبر من ذات العام اقترحت مصر على اثيوبيا مشاركة البنك الدولي في اعمال اللجنة الثلاثية التي تبحث في تأثير السد على دولتي المصب والذي اعلنت اثيوبيا رفضها له في يناير 2018.

وفي ابريل من عام 2018 كان الاجتماعي التساعي الاول لوزراء الخارجية والمياه ورؤساء اجهزة المخابرات في مصر والسودان واثيوبيا والذي باء هو الاخر بالفشل في التوصل لحل للازمة.

وفي شهر يونيو من نفس العام تعهد آبي أحمد رئيس وزراء اثيوبيا الحالي شفهيا في مؤتمر صحفي بالقاهرة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم المساس بأمن مصر المائي او الحاق اي ضرر بالشعب المصري.

وفي سبتمبر عام 2018 اجتمع وزراء الري في الدول الثلاثة مع اللجنة الفنية للسد في العاصمة الاثيوبية أديس ابابا وأعلنوا مرة اخرى عدم التوصل لنتائج جديدة في المفاوضات

في سبتمبر عام 2019 أعلنت وزارة الري المصرية تعثر المفاوضات المقامة بالقاهرة بين الدول الثلات

مساع اقليمية ودولية لحل الأزمة:

ورغم اخفاق كل المفاوضات بين أطراف النزاع ووضوح التعنت الاثيوبي في أزمة السد الا ان الدولة المصرية ظلت متمسكة بالحلول السياسية والتفاوض مع أثيوبيا للوصول الى حل يضمن حق الطرفين في مياه النيل فلجأت مصر الى عدد من القوى الاقليمية والدزلية للتدخل لحل الازمة وإلزام السلطات الاثيوبية بالجدية في المفاوضات. ففي نوفمبر عام 2019 كان التدخل الاول من جانب الولايات المتحدة الامريكية في قضية سد النهضة حيث استضافت العاصمة واشنطن أطراف النزاع الثلاثةبحضور وزير الخزانة الامريكية ووزير البنك الدولي والذي تم الاعلان بعده عن الاتفاق على عقد أربع اجتماعات عاجلة لوزراء الموارد المائية للدول الثلاث بمشاركة ممثلين عن الولايات المتحدة والبنك الدولي وقد عقد ثلات منها في ذات العام ناقشت المفاوضات خلالهما كافة المسائل الفنية والخلافية بين الدول الثلاث.

يناير 2020 اتعقد الاجتماع الرابع لوزراء الموارد المائية بالرعاية الامريكية ومشاركة البنك الدولي والوفود الفنية والذي تم الاعلان عقب انتهائه بفشل الامفاوضات وعدم التوصل الي حلول للازمة.

وفي يونيو 2020 طلبت مصر تدخل رسمي لمجلس الامن بسبب أزمة سد النهضة والذي بدوره احال الازمة للاتحاد الافريقي لكونه المنظمة الاقليمية المنوطبة بحل أزمات القارة الافريقية وأعلن الاخير رعايته لمفاوضات أزمة سد النهضة وبعد أشهر من المفاوضات بين أطراف الازمة أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري في ديسمبر من نفس العام تعثر المفاوضات مجددا وذلك بعد تنفيذ اثيوبيا الملء السنوي الاول لسد النهضة.

في يونيو 2021 اجتمع وزراء خارجية وري دولتي المصب في السودان وهو الاجتماع الذي أعلن فيه مسؤولو البلدين عن وصول مفاوضات سد النهضة الي “حائط السد”.

تدخلت جامعة الدول العربية لدعم موقف دولتي المصب في قضيتهما ضد تعنت السلطة الاثيوبية وأعلنت في يونيو 2021 أنها تقف بجوار مصر والسودان ودعت مجلس الأمن للتدخل وحل الأزمة. وقد استجاب مجلسالأمن وعقد جلسة في يوليو 2021 لبحث الأزمة والتي لم تأتي بجديد وظلت ماء المفاوضات راكدة.

وفي ابريل 2021 استضافت العاصمة كينشاسا عاصمة الكونغو الديموقراطية مفاوضات ” الفرصة الأخيرة” والتي أيضا باءت بالفشل لتعلن أثيوبيا في العام التالي لهذه المفاوضات عن الملء الرابع لسد النهضة.

وفي القمة الافريقية الماضية في فبراير 2023 تفاجأ الجميع بعدم وجود ملف سد النهضة ضمن جدول أعمال القمة في اعلان صريح عن اخفاق الاتحاد الافريقي كمنظمة اقليمية في ادارة ملف الازمة.

وخلال الشهر الجاري أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري عدم أنه لا نية لمصر في اللجوء الى مجلس الامن مجددا مؤكدا أن مصر قادرة على حماية مقدراتها وأمنها المائي

ولا يغيب عنا تأثير الأزمة السودانية الحالية على ملف سد النهضة والذي وضع الحكومة المصرية في موقف صعب يتطلب مزيد من الدراسة والتحركات السياسية والاستخباراتية على المستويين الافريقي والدولي

متى يصبح لا بديل أمام مصر عن حل عسكري؟

 على مدار عقد كامل كانت الدولة المصرية تسعى بجدية لإيجاد حلول سلمية للأزمة والوصول لاتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة، بما يضمن التنمية لإثيوبيا وألا يقع أي ضرر جسيم على أي من دولتي المصب، وتم الاعتماد على مساعدة أطراف عديدة منها الولايات المتحدة والإطار الإفريقي وقمم ورؤساء الاتحاد الإفريقي. وانخرطت مصر في مفاوضات برعاية إفريقية لم تؤت بثمارها ومع استمرار بناء السد والإقدام على الملء الأحادي الرابع، أصبح هناك شك بوجود إرادة اثيوبية حقيقية لحل الأزمة مما قد يضع مصر أمام خيارا واحدا اضطراريا وهو الحل العسكري. وهذه النتيجة تضعنا أما عدة تساؤلات هامة، ما شكل التدخل العسكري التي قد تلجأ اليه الدولة المصرية وهل سيكون ضرب السد بشكل جزئي يلزم اثيوبيا التفاوض أم كليا ليقضي على السد كليا وماهي التيجة على الطرفين المصري والاثيوبي؟

توجيه ضربة عسكرية جراحية محدودة للسد

وقد تتجه الدولة المصرية لهذا الحل لاجبار أثيوبيا الرجوع إلى طاولة التفاوض بشكل يضمن الجدية من خلال توجيه ضربات محددة ومدروسة تستهدف أدوات أجهزة الإنشاء وكل ما هو فوق السطح، إضافة إلى قطاعات في المحور الأوسط للسد. وضرب محطات الكهرباء الذي يمثل هدفا ثمينا كافيا لتعطيل السد قرابة 5 سنوات. وأيضاً تدمير سد السرج يمثل ضربة مؤلمة لإثيوبيا دون تعرض سد الروصيرص أو السودان لأي مخاطر.

وتكتسب مصر الشرعية في القيام بمثل هذه الضربة من كونها استنفذت كل الطرق التفاوضية وطرقت كل الأبوب سواء على المستوى الافريقي أو على المستوى الدولي لحل الأزمة بشكل سياسي يضمن لطرفي النزاع حقوقهم والمؤكد أنه مهما بلغت العقوبات على الدولة المصرية جراء هذا الاستهداف فهو لن يوازي خطر السد على الأمن القومي المصري والذي يهدد بإبادة للدولة المصرية، ويمكن لمصر أن تتفادى الغضب الافريقي و الدولي إذا ضمنت خلال توجيهها للضربة العسكرية المحدودة عدم المساس بمصالح الدول الأخرى سواء الافريقية أو الأجنبية وذلك من خلال تعزيز التعاون المشترك والعلاقات المشتركة بين مصر وبين الدول ذات الصلة . أما عن الرد الأثيوبي فمصر تستطيع وبسهولة الدفاع عن نفسها ضد أي هجمات مضاده من أديس بابا حيث أن أثيوبيا هي من تفرض العمل العسكري، فلم تترك متسعا من البدائل سوى اللجوء إليه ووضعت شعبها في هذا المأزق نتيجة لتعنت أبي أحمد الغير مبرر وعلى الدولة المصرية أن تحافظ على مقدرات الشعب المصري بالطريقة التي تجدها مناسبة.

توجية ضربة عسكرية شاملة تدميرية للسد

قد تلجأ مصر إلى هذا الإحتمال حال تعنت أثيوبيا أكثر واستمرارها في قراراتها الأحادية بشأن ملئ وتشغيل السد وتمسكها بسياسية فرض الأمر الواقع وهو ما لم لن تقبله الدولة المصرية ولكن احتمالية توجية ضربة شاملة للسد قد تكون منعدمة وغير مطروحة من الأساس أمام القيادة المصرية لأن تداعياتها خطرة ولا يمكن توقعها أو تفاديها بشكل دقيق، فتدمير السد الأن يعني غرق السودان وانهيارها عن بكرة أبيها و من الممكن أيضا وصول الفيضان الناتج عن تدمير السد الى السد العالي بمصر و هو ما لن تحمد عواقبه فبعد الملئ الثالث خلال العام الماضي بات ضرب السد خيارا غير مطروح لما قد ينتج عنه من كوارث طبيعية حال ضربه أو حتى انهياره نتيجة لجولوجيا المنطقة المقام عليها السد.

فلن تستطيع إثيوبيا تحمل واستيعاب تلك الآثار المدمرة التي قد تنجم عن تدفق نحو أكثر من 80 مليار متر مكعب من المياه بعد انهيار السدود السودانية، ووقتها ستختفي مدن وقرى بأكملها في السودان وإثيوبيا، في حين أن المسافة بين سد النهضة والسد العالي نحو 2000 كيلو متر ووصول المياه من السد الإثيوبي حتى جنوب مصر قد يستغرق 6 أيام، وهي فترة كافية لوزارة الموارد المائية للتصرف ومواجهة الأزمة سواء بفتح مفيض توشكى أو جميع القناطر في البلاد.

ويعتبر ضرب السد اعلانا لحرب قادمة لا مجرد عملية عسكرية مؤقتة مما يعني فرض عقوبات سياسية واقتصادية على المستوى الإفريقي والدولي في وقت تمر فيه مصر وسائر بلاد العالم بأزمات اقتصادية صعبة.

خطورة الحل العسكري على تدفق ماء السد او انهياره جزئيا أول كليا:

 ان انهيار السد احتمال قائم وبنسبة كبيرة ان استبعدنا انهياره بسبب القذف العسكري وذلك بسبب الطبيعة الجولوجية للمنطقة المقام عليها السد وكذلك الفياضانات التي تحدث بشكل متكرر في ذات المنطقه والتي لو حدث خلالها انهيار للسد سنكون أمام كارثة طبيعية تصل الي تسونامي مدمر حيث سيتدفق مليار متر مكعب من الأمطار الطبيعية التي تهبط على بحيرة السد مع مليار متر من المياه المخزنة لتصبح 2 مليار لتنجد علي بعد15 كم بحيرة الروصيص السودانية التي تغذي سد الروصيص الذي تبلغ سعته التخزينية من 3 الى 7 مليار متر مكعب من المياه وفي حال تدفق مليار متر مكعب من السد الاثيوبي مع مليار متر من الامطار خلال موسم الفيضان سينهار سد الروصيص وتتدفق معه المياة المخزنة به والتي تبلغ 7 مليار متر مكعب كما ذكرنا سالفا وتتجه هذه الكمية الي سد سوداني أخر وهو سد سنار والذي أمامه مليار متر أخر و الذي سينهار لا محالة ، لتصبح كمية المياة المتدفقة بعد انهيار تلك السدود حوالي 10 مليار متر مكعب كلها تصب في السودان ووقتها يمكن أن نجزم غرق السودان عن بكرة ابيها .

أما في مصر فان السد العالي يحتجز أمامه 140 مليار متر مكعب من المياة وفي حال تدفق المياة من السودان الى مصر سيتم فتح مفيض توشكي لاستعاب المياه الزائدة وكذلك فتح قناطر فارسكور في دمياط لتصريف المياه الزائدة نحو البحر الابيض المتوسط لذلك سيكون الضرر أقل علي الدولة المصرية.

خطورة الحل العسكري على الدولة المصرية سياسيا واقتصاديا في افريقيا:

طوال السنوات العشر الماضية روجت أثيوبيا لمشروع سد النهضة على أنه مشروعا تنمويا افريقيا ومحاولات مصر للوقوف في وجه المشروع هي محاولات للوقوف أمام التنمية الافريقية.

رغم النزاعات في الداخل الاثيوبي الا انهم جمعا داعمون لمشروع سد النهضة باعتباره المشروع التنموي الأكبر في تاريخ أثيوبيا وضرب السد يعني اجتماعهم ودعمهم لقرارات حكومتهم التي من المحتمل أن تزج بهم في حرب لا ذنب للشعب بها وانما نتجت عن تعنت حكومتهم وتعديها على حقوق الدول الأخري.

ومن المحتمل أن تصطف عدد من الدول الإفريقية خلف أثيوبيا خاصة بعد اخفاق الإتحاد الإفريقي في حل الأزمة وتواطؤه لصالح أثيوبيا فضرب السد يعني  اندلاع مواجهة عسكرية في منطقة مضطربة بالأساس ومصر تحاول منذ سنوات أن تقيم علاقات جيدة مع الدول الإفريقية بعد أعوام من الضطرابات بالاضافة الى أن اثيوبيا في نظر الأفارقة من أقوى الدول الافريقية ووجود التحاد الافريقي بها يعظم من ثقلها السياسي بالقارة فلا تستطيع مصر حاليا الدخول في عداء مباشر مع أثيوبيا خاصة انها غير مستعدة بشكل كاف لتحمل تبعات أي تصرف عسكري تجاه السد خاصة أن الضرر الحقيقي المتعلق بالتعطيش لم يقع بعد وستكون هذه حكة السلطات الاثيوبية في حشدالرأي العام الافريقي ضد الدولة المصرية والذي ينتج عنه قطع علاقات الدول الحليفة لاثيوبيا ومصر وتجميد عضوية مصر بالاتحاد الافريقي لتعود مصر في معزل عن افريقيا مجددا وهذا ما سعت القيادة السياسية المصرية خلال عدة سنوات ماضية في اصلاحه .

قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الدول الافريقية ومصر يؤثر بشكل غير قابل للشك على الاقتصاد المصري والذي يشهد فترة غير محمودة اطلاقا في وقت تتهافت القوى العظمى على الوجود الاقتصادي بالقارة باعتبارها سلة الغذاء الاكبر في العالم في ظل أزمات الامن الغذائي التي تواجه العديد من الدول لذلك ليس من مصلحة مصر اطلاقا اقصائها من المشهد الافريقي الان.

أثار الحل العسكري علي الدولة الاثيوبية:

ان الاوضاع الجيولوجية للمنطقة المقام بها سد النهضة ليست ملائمة لمثل هذا المشروع فلها تريخ مع الزلازل والفيضانات التي يمكن أن تطيح بالسد كليا وهذا ما حاولت الدولة المصرية على مدار سنوات عديدة توضيحه للسلطات الاثيوبية والمجتمع الدولي فما ظنكم بتوجيه ضربة عسكرية للسد سواء أكانت جراحية أو كاملة. ان أي تصرف عسكري غير محسوب سيدفع ثمه المواطن الاثيوبي الذي لا ذنب له في تعنت قيادته السياسية فقد يواجه الشعب الاثيوبي عدة تداعيات منها

تهجير نحو ٣٠ ألف مواطن من منطقة البحيرة

غرق حـوالي نـصف مليـون فـدان مـن أراضـي الغابـات، والأراضـي الزراعيـة القابلـة للـري والتي تعد نادرة في حوض النيل الأزرق في تكـوين بحيـرة الـسد، مـع عـدم وجـود منـاطق أخري قريبة قابلة للري.

غرق بعض المناطق التعدينية لكثير من المعادن الهامـة مثـل الـذهب والبلاتـين والحديـد والنحاس وبعض مناطق المحاجر

وهذا يضعنا أمام تساؤل هام جدا كيف للقيادة الاثيوبية ان تعلن عن اقامة السد لاغراض تنموية فقط في حين أن الاثار التي قد تنتج عن انهيار السد مدمرة لاثيوبيا نفسها قبل دولتي المصب أو دول الجوار

رد فعل المجتمع الدولي حال ضرب السد:

 على الرغم من اعتراف القوى العظمى و الولايات المتحدة الأمريكية بحق مصر في الحفاظ على أمنها المائي والمساعي الدولية لحل الأزمة إلا أن هذه الدول نفسها قد تأخذ صف الأثيوبي حال تعرض السد لضربة عسكرية مصرية فهذه الدول لا تدعم التصعيد العسكري، وقد عملت مصر في السنوات الماضية على تحسين علاقاتها مع المجتمع الدولي حتى  أصبحت طرفا مؤثرا في المجتمع الدولي في ضوء علاقاتها الجيدة مع الدول الكبرى في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي نحصل منها كل عام على معونات عسكرية تبلغ قيمتها مليار و300 مليون دولار، إلى جانب كل ما تقدمه واشنطن من دعم للقاهرة في المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، للحصول على القروض التي لم يكن من الممكن للاقتصاد المصري أن يتعافى من دونها. فاعلان مصر عن حرب ضد أثيوبيا من شأنه سحب الدعم الدولي لمصر وللقضايا المصرية وفرض عقوبات سياسية واقتصادية من شأنها تحطيم الاقتصاد المصري.

التوصيات

1. الاعتماد على الخطوات الاستباقية لدول المصب:

يجب أن تتعاون مصر والسودان مع دول المصب الأخرى لتبني خطة استباقية تساعد في تخفيف المخاطر الناتجة عن استمرار أثيوبيا في ملئ السد. يمكن أن تشمل هذه الخطوات توفير معلومات وافية ومشتركة حول الموارد المائية، وتبادل المعلومات المتعلقة بالتغيرات الجوية والمناخية، وتعزيز التعاون الإقليمي في مجالات الري والزراعة والطاقة المتجددة.

2. الاعتماد على العلاقات الثنائية بين مصر ودول الحوض:

ينبغي لمصر أن تتعامل مع دول حوض النيل بشكل فردي وثنائي، وأن تقوم ببناء علاقات قوية معهم. يمكن أن تشمل هذه العلاقات الثنائية التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والتنمية، وتبادل الخبرات والتقنيات في مجالات الري والزراعة والطاقة المتجددة. كما ينبغي لمصر أن تعمل على توضيح موقفها وحقوقها في المياه النيلية، وتعزيز دورها في الإقليم.

3. مواصلة الضغط المصري على المجتمع الدولي:

يجب على مصر مواصلة الضغط على المجتمع الدولي للتدخل لإلزام أثيوبيا بالتفاوض ومراعاة حقوق دولة مصر والسودان في مياه النيل. يمكن لمصر العمل مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية الأخرى، وتعزيز انشطتها الدبلوماسية في المحافل الدولية.

4. تعزيز التعاون المصري مع الدول الأفريقية:

ينبغي لمصر أن تعمل على تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية ذات الصلة بالأزمة، وتشكيل تحالف معهم لممارسة ضغط على أثيوبيا للجلوس للتفاوض. يمكن لمصر أن تقدم المساعدة التنموية والاقتصادية والأمنية لهذه الدول، وتعزيز التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة.

5. السعي لكسب تعاطف المجتمع الدولي والأفريقي:

ينبغي لمصر أن تعمل على كسب تعاطف المجتمع الدولي والأفريقي، وتبين موقفها وحقوقها في المياه النيلية. يمكن لمصر أن تقدم المعلومات الدقيقة والشاملة حول الأزمة، وتشرح أهمية المياه النيلية للمنطقة وللعالم بأسره.

6. التوسع في إنشاء ممرات للمياه:

ينبغي لمصر أن تعمل على توسيع شبكة ممرات المياه الخاصة بها، وتطوير تلك الموجودة بالفعل.

المصادر:

  1. https://www.alarabiya.net/arab-and-world/egypt/2020/10/26/%D8%B7%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%86-%D8%A3%D9%88-%D8%AA%D8%B3%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D9%85%D8%AF%D9%85%D8%B1-%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%8A%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D9%84%D9%88-%D8%A7%D9%86%D9%87%D8%A7%D8%B1-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9%D8%9F-

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى