سياسة

ترجمات وعروض :عمليات الاختطاف بمنطقة الساحل .. سلاح الحروب المُفضَّل

اعداد :نهاد محمود أحمد- باحثة متخصصة في الشئون الأفريقية – عضو مجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز

نشر معهد الدراسات الأمنية (ISS) مقالًا لـ “فلور بيرغرفي الرابع من أكتوبر الجاري، حول عمليات الاختطاف المتصاعدة بمنطقة الساحل الأفريقي وبخاصة بالبلدان التي مزّقتها الاضطرابات والتغيّرات غير الدستورية المتلاحقة في السُلطة منذ عام 2020، لا سيما مالي وبوركينا فاسو.

بناء عليه يناقش المقال أبرز أنشطة الاختطاف وأهم معاقلها ومرتكبيها بمنطقة الساحل، بالتطرق خلال ذلك إلى دوافع الأطراف المنخرطة بتلك الأنشطة والعوامل المُحفزة على تصاعدها والأغراض المتداخلة لهذه العمليات، مع تسليط الضوء على دور الجماعات الجهادية البارز في هذا الصدد.

 تداعيات وخسائر واسعة النطاق:

في البداية يشير “بيرغر” إلى الخسائر التي ترتبت على عمليات الاختطاف التي شهدتها مالي وبوركينا فاسو في النصف الأول فقط من عام 2023، والتي سجّلت أكثر من 180 عملية اختطاف، بمعدّل عملية اختطاف واحدة في اليوم. وهو ما يتماشى مع الاتجاه السائد في السنوات الأخيرة، والذي شهد توسّعًا بأنشطة الاختطاف منذ عام 2019، بمعدّل وصل إلى 400 ضحية في كلا البلدين كل عام. وبشكل عام سُجِّلت معظم الضحايا من منطقة الساحل الأفريقي، حيث المجتمعات العالقة في مرمى النيران المتبادلة بين الأطراف المتنازعة.

أطراف فاعلة متعددة وأغراض متباينة:

تعدّ عمليات الاختطاف في المقام الأول أداة بارزة خلال الحروب والصراعات، يتم استخدامها بشكل استراتيجي من قِبَل الأطراف المتنازعة لتحقيق أهدافها. وعلى الرغم من أن عمليات اختطاف الأجانب التي تحدث بغية الحصول على فدية لا تزال مستمرة، إلا أنه تزامنًا مع ذلك طرأ تحول أدى إلى استهداف سكان الساحل المحليين، بغرض تحقيق أهداف توسعيّة متباينة للمتمردين. على سبيل المثال هدفت عمليات الاختطاف التي تقوم بها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى نشر الخوف إزاء السكان المحليين وجمع البيانات من خلالهم والحدّ من التهديدات التي تحول دون ترسيخ أقدام الجماعة المتطرفة.

لا تقتصر أنشطة الاختطاف بمنطقة الساحل على الجماعات الجهادية، بل تتوسع دائرة الانخراط لتشمل ميليشيات الدفاع الذاتي المحلية (سواء كانت تابعة للدولة أم لا) وقوات الأمن والدفاع بالمنطقة. لكن لا تزال الجماعات الجهادية المتطرفة على رأس الجُناة الرئيسيون لمثل هذه العمليات، لا سيما جماعة نصر الإسلام والمسلمين. وتختلف أغراض الاختطاف من جماعة لأخرى، على سبيل المثال تُنفذ قوات الأمن ومساعدوها عمليات اختطاف لأغراض مكافحة الشغب والتمرد، بينما يستخدمها المتطرفون كاستراتيجية للتوسع والتوطيد لوجودهم على الأرض. أما الأرباح التي تأتي من خلال دفع الفدية تظهر فقط كدافع ثانوي. وهو ما يتناقض بشكل حاد مع ما كان سائدًا حتى أواخر القرن العشرين، عندما كان الاختطاف في الغالب يحدث مدفوعًا بدوافع مالية في الأساس.

مِن الضحايا الأوروبيين إلى السكان المحليين:

شهدت الفترة من 2003 إلى 2012 اختطاف ما يقرب من 100 شخص (معظمهم من السياح، الذين شكّلوا معظم الضحايا في ذلك الوقت) في منطقة الساحل. وخلال تلك الفترة، قُدّر إجمالي الفدية بنحو 90 مليون دولار لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحده. كان الاختطاف مُربحًا للغاية ويمكن القول إنه مثّل أكبر مصدر لتمويل فروع القاعدة في منطقة الساحل ككل. وقد ساعدت الأموال المتمردين على التوسع والتماسك في جميع أنحاء المنطقة.

لكن عندما بدأ الصراع في مالي في عام 2012، انخفضت عمليات خطف الأوروبيين بشكل حاد، وأرجع البعض ذلك إلى حد كبير لندرة الأشخاص الأوروبية المستهدفة. كما أن الوجود الأمني الغربي في منطقة الساحل بات أكثر انتشارًا وتنظيمًا بسبب تهديدات الاختطاف. لكن ذلك لم يؤد إلى توقف الهجمات تمامًا. وبدلًا من ذلك، تطورت مع الصراعات المتلاحقة وزاد انتشارها بمناطق متباينة، حيث انتشرت من شمال إلى وسط مالي في عام 2015، إلى شمال بوركينا فاسو في عام 2016، وشرق بوركينا فاسو في عام 2018، وإلى غرب أفريقيا الساحلية منذ عام 2020.

فاعل رئيس لعمليات الاختطاف:

كانت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتكب الرئيس لعمليات الاختطاف في منطقة الساحل. وفي حين أن التنظيم لا يزال يرتكب عمليات الاختطاف للحصول على فدية، ويتلقّى مبالغ كبيرة من المال من خلال عمليات أسر الأجانب والأثرياء بمنطقة الساحل، فإن التمويل لم يعد الدافع الأساسي. وفي الوقت الحالي، يعتمد استخدام عمليات الاختطاف على النفوذ الإقليمي لجماعة نصرة الإسلام على مناطق بعينها.

وتستهدف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين -التي عندما تتسلل إلى أي مجتمع ترتفع معدلات عمليات الاختطاف به- أي شخص مرتبط أو يمثل السلطات والشخصيات المحلية المؤثرة. وتهدف الهجمات إلى تخويف السكان المحليين وجمع البيانات وتقليل عدد الأشخاص الذين قد يهددون إنشائها في تلك المنطقة – إما عن طريق إجبارهم على المغادرة أو عن طريق ضمهم لصفوفها. وبمجرد ترسيخ نفوذ الجماعة، تنخفض عمليات الاختطاف.

على الرغم من أن حوادث الاختطاف لا تزال تحدث للأسباب المذكورة أعلاه، إلا أن أغراض الاختطاف أُضيف إليها دافعين إضافيين هما تجنيد الشباب وتجنيد الأشخاص المتخصصين بمجالات تحتاجها الجماعة (كالأطباء والممرضات). كما تختطف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أي شخص يتحرك عبر أراضيها. وتُصنّف كعمليات اختطاف قصيرة الأجل لأغراض التدقيق للتأكد من أن الجماعة على علم بالأنشطة في المناطق الخاضعة لسيطرتها ومَن يقوم بها.

وتوضح أنشطة عمليات الاختطاف في موبتي بوسط مالي تلك الأغراض سالفة البيان. وتشير البيانات حتى يوليو 2023 إلى أنه في قرية يورو بمنطقة موبتي وسط مالي، إحدى المعاقل الرئيسية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وقعت عملية اختطاف واحدة فقط هذا العام. وفي 5 يوليو، اختطفت الجماعة أربعة عاملين بقطاع الصحة، يُرجّح أنهم كانوا يقدمون الرعاية الصحية في المستشفيات بالقرى الخاضعة لنفوذ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

وفي موبتي، التي لا تزال موضع نزاع كبير بسبب وجود قوات الأمن والميليشيات المحلية التابعة للدولة، وقعت 11 عملية اختطاف هذا العام حتى يوليو 2023. استهدفت خلالها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المشتبه في تعاونهم، والأشخاص الذين لم يحترموا قواعد الجماعة، ورؤساء القرى أو عائلاتهم.

خاتمة:

إجمالًا؛ يمكن القول إن التحول في ديناميكيات أغراض الاختطاف للحركات الجهادية من استهداف الغربيين للحصول على فدية إلى استهداف سكان منطقة الساحل مدفوعين بأهداف التوسع، أمر هام في فهم تطور أهداف الجماعات الجهادية من وراء تلك العمليات. وعلى الرغم من أن الأهداف الأولى قد ساهمت في جلب المزيد من القدرات المالية الحاسمة لتلك الجماعات المتطرفة، إلا أن تأثيرها كان أقل على المجتمعات، لاسيما السكان المحليين. أما الآن فباتت أنماط الاختطاف الحالية تستهدف السكان المحليين الذين أصبحوا عالقين بين الجماعات المتمردة التي تهدف لتوسيع نطاق سيطرتها.

وأخيرًا؛ فإن عمليات الاختطاف التي تقع في قلب الصراع بالساحل ينبغي الاعتراف بأن صلاتها بعدم الاستقرار أكثر تعقيدًا من كونها مجرد مصدر للتمويل، وهو ما يستوجب وضعه بالاعتبار حال تأسيس استراتيجيات ومقاربات للتصدي لتلك الأنشطة الخارجة عن القانون.

الرابط الأصلي للمقال:

https://rb.gy/ipvkw

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى